إنجيل متى/الإصحاح 1

من كوبتيكبيديا
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إنجيل متى 01 مسموع بصوت الدكتور عادل نصحي

الإصحاح 1

1 كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم. 2 ابراهيم ولد اسحاق. واسحاق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا واخوته. 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد ارام. 4 وارام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى. 6 ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لاوريا. 7 وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد ابيا. وابيا ولد اسا. 8 واسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا. 9 وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد احاز. واحاز ولد حزقيا. 10 وحزقيا ولد منسى. ومنسى ولد امون. وامون ولد يوشيا. 11 ويوشيا ولد يكنيا واخوته عند سبي بابل. 12 وبعد سبي بابل يكنيا ولد شالتئيل. وشالتئيل ولد زربابل. 13 وزربابل ولد ابيهود. وابيهود ولد الياقيم. والياقيم ولد عازور. 14 وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد اخيم. واخيم ولد اليود. 15 واليود ولد اليعازر. واليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. 16 ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح. 17 فجميع الاجيال من ابراهيم الى داود اربعة عشر جيلا ومن داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلا ومن سبي بابل الى المسيح اربعة عشر جيلا.

18 اما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم امه مخطوبة ليوسف قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس. 19 فيوسف رجلها اذ كان بارا ولم يشا ان يشهرها اراد تخليتها سرا. 20 ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا: «يا يوسف ابن داود لا تخف ان تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. 21 فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم». 22 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي: 23 «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل» (الذي تفسيره: الله معنا).

24 فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما امره ملاك الرب واخذ امراته. 25 ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع.

الإصحاح 1 كل آية في سطر

1. كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم:

2. إبراهيم ولد إسحاق. وإسحاق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته.
صورة ذبح اسحاق فن قبطي.jpg
إِسحاق (بالإنجليزية Isaac بالقبطية:Ⲓⲥⲁⲁⲕ بالعبرية: יִצְחָק؛.) ويعرف ايضاً بإسم اسحق ومعناه بالعبرية "يضحك" وهو ابن إبراهيم وسارة؛ وقد ولد في النقب، وفي بئر سبع على الأرجح (تك 21: 14و31). وقد ولد حين كان أبوه قد بلغ السنة المائة من العمر تقريبًا، وحين كانت أمه قد بلغت 90 عامًا من العمر تقريبًا (تك 17: 17و21: 5). ولما وعد الله سارة بأنها تلد ابنًا ضحك إبراهيم لأن أمرًا مثل هذا يبعد تصديقه (تك 17: 17- 19). ولما سمعت سارة الوعد نفسه ينطق به أحد الضيفين السماويين ضحكت هي أيضًا لأنها لم تصدق شيئًا من مثل هذا (تك 18: 9-15). ولما ولد الطفل قالت سارة أن الرب صنع إليّ ضحكًا وأن جيرانها سيضحكون معها (تك 21: 6). فقد لازم الضحك هذا الصبي من وقت الوعد به إلى ما بعد ولادته ولذا فقد دعا إبراهيم اسم ابنه "إسحاق" أي "يضحك".

3. ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد أرام.

4. وأرام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون.

5. وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى.

6. ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا.

7. وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا.

8. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا.

9. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا.

10. وحزقيا ولد منسى. ومنسى ولد آمون. وآمون ولد يوشيا.

11. ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل.
الأسْر البابلي أو النَّفي البابلي إن فكرة السبي البابلي لليهود ظلت مجالًا للبحث والتمعن من قبل الباحثين اليهود وغيرهم حيث شكلت عقيدة الشتات جوهر الشخصية اليهودية عبر عصورها وبالنسبة لشتات اليهود الأول بدأ بعد انقسام المملكة الموحدة بزعامة سليمان إلى مملكتين، إحداهما الشمالية وعاصمتها السامرة والأخرى الجنوبية وعاصمتها أورشليم.

12. وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربابل.

13. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور.

14. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود.

15. وأليود ولد أليعازر. وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب.

16. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح.

17. فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلا، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلا، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلا.

18. أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح القدس.

19. فيوسف رجلها إذ كان بارا، ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرا.

20. ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا:«يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس.

21. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم».

22. وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل:

23. «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا، ويدعون اسمه عمانوئيل» الذي تفسيره: الله معنا.

24. فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته.

25. ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع.

الإصحاح 1 بالتشكيل

1 كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ: 2 إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. 3 وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ. 4 وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ. 5 وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. 6 وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا. 7 وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَامَ. وَرَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. 8 وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا. 9 وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ. وَأَحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا. 10 وَحِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. 11 وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ. 12 وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ. 13 وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. 14 وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. 15 وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. 16 وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. 17 فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً. 18 أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 19 فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا. 20 وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21 فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». 22 وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: 23 «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا. 24 فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. 25 وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.

التفاسير

إذ يكتب القدّيس متّى الإنجيلي لليهود عن شخص ربّنا يسوع المسيح بكونه المسيّا الملك الذي طالما ترقبه الآباء والأنبياء ليقدّم لنا الخلاص الحقيقي، أعلن عن نسبه وميلاده:

1. نسب المسيح (ع 1).

2. شجرة الأنساب (ع 2-16).

3. عدد الأجيال (ع 17).

4. مريم المخطوبة (ع 18).

5. حلم يوسف (ع 19-24).

6. ميلاد المسيح المبكّر (ع 25).


1. نسب المسيح

ربّما يتساءل البعض: لماذا يهتمّ الكتاب المقدّس بنسب السيّد المسيح، فيذكره الإنجيلي متّى في الافتتاحيّة، والإنجيلي لوقا بعد عماد السيّد (لو 3)؟

أولًا: نحن نعلم أن الغنوسيّة وإن كان قد ظهر كبار رجالها في القرن الثاني الميلادي لكن جذورها بدأت في وقت مبكر جدًا، فقد أنكرت حقيقة التأنُس، مدّعية أن السيّد المسيح قد ظهر كخيالٍ أو وهم، إذ يكرهون الجسد ويعادونه كعنصر ظلمة. ذكر الأنساب هو تأكيد لحقيقة التجسّد الإلهي، فيؤكّد الوحي الإلهي أن ذاك الذي هو فوق الأنساب قد صار حسب الجسد له نسب. يقول القدّيس ساويرس الأنطاكي: "لكي نعرف الذي لا يُحصى في الأنساب، إذ مكتوب عنه: من يعرف جيله؟‍‍‍! (إش 53: 8)، وبالأكثر هذا الذي كان قبل الدهور مساويًا في الأزليّة للآب ذاته، هو نفسه الذي حُسب في الأنساب حسب الجسد، لأنه إذ هو إله في الحقيقة، صار هو ذاته في آخر الأزمة إنسانًا بدون تغيير، وقد أظهره متّى مشتركًا في طبيعتنا حتى لا يقول أحد أنه ظهر كخيالٍ أو وهمِ."

ثانيًا: أراد القدّيس متّى تأكيد أن يسوع هو المسيّا الملك المنتظر، لهذا يفتح سلسلة الأنساب بقوله: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم". يقول القديس جيروم: "لقد ترك متّى كل الأسماء ليذكر داود وإبراهيم، لأن الله وعدهما وحدهما (بصراحة) بالمسيح، إذ قال لإبراهيم: "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك22: 18)، ولداود "من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك" (مز 132: 11)." لقد ركّز على داود الملك وإبراهيم أب الآباء ليُعلن أنه الملك الموعود به، ابن داود. إنه الملك المختفي وراء طبيعتنا البشريّة والمتخلّي عن كمال مجده وبهائه، حتى يعطي للشيطان فرصة الدخول معه في معركة كسائر البشر، فيغلب السيّد لحسابنا. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإن اختفاءه يهبنا الفرصة لقبولنا إيّاه فلا نهاب بهاءه ونهرب من جلال عظمته، بل نقبل اللقاء معه والاتّحاد به والثبوت فيه. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "لا يظهر الملك على الدوام بالمظهر الخاص به، إنّما يُلقي الأرجوان جانبًا ومعه التاج متنكرًا في زيّ جندي عادي حتى لا يركّز العدوّ هجماته عليه، أمّا هنا فحدث العكس، فقد فعل (الرب) ذلك حتى لا يعرفه العدوّ ويهرب من الدخول معه في معركة، ولكي لا يرتبك شعبه (أمام بهائه)، إذ جاء ليخلّص لا ليرعب."

جاء الملك الحقيقي متأنّسًا كابن لداود الملك مع أن الأخير في حقيقته عبد، لقد رضي أن يكون العبد أبًا له، حتى نقبل نحن العبيد الإله أبًا لنا، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "سمح لنفسه أن يُدعى ابن داود ليجعلك ابن الله! سمح لعبد أن يصير له أبًا، حتى يكون لك أيها العبد الرب أبًا لك...! وُلد حسب الجسد لتُولد أنت حسب الروح! وُلد من امرأة لكي تكف عن أن تكون ابنًا لامرأة."

ثالثًا: أراد بهذا النسب تأكيد أنه من نسل إبراهيم، أب جميع المؤمنين، الذي نال المواعيد إنه بنسله تتبارك جميع أمم الأرض. كأنه قد جاء كسّر بركة لجميع الأمم، مقدّمًا أبوة فائقة لا تقف عند علاقة الجسد والدم كما حصرها اليهود في علاقتهم بإبراهيم، إنّما قدّم الأبوة السماويّة لكل مؤمن من كل أمة!

2. شجرة الأنساب

قدّم لنا معلّمنا متّى نسب الملك قبل عرضه أحداث الميلاد، بينما قدّمه معلّمنا لوقا بعد عرضه للعماد المقدّس (لو 3)، وقد اهتم كثير من الآباء بشرح هذا النسب في شيء من الإطالة، لكنّني أجد نفسي ملتزمًا بعرض مبسّط له، ألخصه في النقاط التالية:

أولًا: جاء النسب هنا في ترتيب تنازلي يبدأ بإبراهيم وينتهي بيوسف رجل مريم الذي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح، أمّا في إنجيل معلّمنا لوقا فجاء النسب في ترتيب تصاعدي من يسوع الذي على ما كان يظن ابن يوسف (لو 3: 23) إلى آدم ابن الله. يتحدّث الأول قبل أحداث الميلاد ليُعلن أن كلمة الله المتجسّد هذا وإن كان بلا خطيّة وحدث لكنّه جاء من نسل خاطئ ليحمل عنّا الخطايا التي ورثناها أبًا عن جد، لذا جاء الترتيب تنازليًا... كأن الخطايا تنحدر من جيل إلى جيل ليحملها السيّد على كتفيه. أمّا الإنجيل الآخر فيلتزم بالترتيب التصاعدي إذ يأتي بعد المعموديّة معلنًا عطيّة الرب خلالها، يرفعنا حتى يردنا إلى حالتنا الأولى "آدم ابن الله" (لو3: 38). فالإنجيلي متّى يُعلن المسيّا حامل خطايانا، والإنجيلي لوقا يُعلن تمتّعنا بالبنوّة لله فيه.

ثانيًا: اختلاف النسب في القائمتين مرجعه أن متّى وهو يُعلن عن السيّد المسيح كحامل لخطايانا يذكر النسب الطبيعي، حسب اللحم والدم، أمّا لوقا إذ يُعلن عن بنوتنا لله في المسيح يسوع يذكر النسب الشرّعي حيث يمكن لإنسان أن يُنتسب لأب لم يُولد منه جسديًا. نذكر على سبيل المثال كان القدّيس يوسف ابنًا ليعقوب جسديًا، لكنّه ابن هالي شرعًا، لأن هالي مات دون أن ينجب ابنا، فتزوّج يعقوب امرأته لينجب له نسلًا فلا يُمحى اسمه من إسرائيل (تث 25: 5-6؛ مت 22: 24). وكأن القدّيس يوسف خطيب القدّيسة مريم هو ابن لداود الملك حسب القائمتين: سواء النسب الطبيعي أو الشرّعي، بالرغم من اختلافهما.

ثالثًا: إذ كان متّى البشير يتحدّث إلى اليهود ليؤكّد أن يسوع هو المسيّا المنتظر، بدأ النسب بإبراهيم المختار، أمّا لوقا إذ يكتب للأمم انتهى النسب بآدم ابن الله، ليضم البشريّة كلها للبنوة لله.

رابعًا: جاء النسب خاصًا بالقدّيس يوسف لا القدّيسة مريم، مع أن السيّد المسيح ليس من زرعه، ذلك لأن الشريعة الموسويّة تنسب الشخص للأب وليس للأم كسائر المجتمعات الأبوية. فإن كان يوسف ليس أبًا له خلال الدم لكنّه تمتّع ببركة الأبوة خلال التبنّي. لذلك نجد القدّيسة مريم نفسها التي أدركت سرّ ميلاده العجيب تقول للسيد: "لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنّا نطلبك معذّبين" (لو 2: 48). فإن كانت الشريعة تقيم للميّت ابنا (تث 25: 5) متى أنجبت امرأته من الوَلي، فبالأولى ينسب السيّد المسيح كابن ليوسف وهو ليس من زرعه، وقد أعطاه الملاك حقوق الأبوّة كتلقيبه، إذ يقول له: "فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع".

خامسًا: لم يذكر النسب أسماء نساء عظيمات يفتخر بهنّ اليهود كسارة ورفقة وراحيل، إنّما ذكر ثامار التي ارتدَت ثياب زانية (تك 38)، وراحاب الكنعانيّة الزانية (يش 2: 1) وبَتْشبْع التي يلقّبها "التي لأوريّا" مُظهرًا خطيّتها مع داود الملك. وكما يقول القدّيس ساويرس الأنطاكي: "ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت، ودارت وتعثّرت في الشهوات غير اللائقة، هي التي جاء المسيح لعلاجها، حتى أنها عندما هربت ضُبطت، وعندما اندفعت وفي ثورتها أسرعت في الابتعاد أمسكها وأوقفها، وأتى بها وقادها إلى الطريق"، "المسيح إذن وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجّست لكي يطهّرها؛ هذه التي مرضت لكي يشفيها؛ هذه التي سقطت لكي يقيمها، وكان ذلك بطريقة فيها تنازل ومحبّة للبشر." ويقول القديس جيروم: "لم يذكر في ميلاد المسيح ونسبه اسم قدّيسة، بل ذكر من شَجَبهنّ الكتاب، وهو يريد القول بأن من جاء من أجل الخطاة وُلد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع."

لقد بشر الإنجيلي بنسب الملك في حرّية دون أن يخفي ما يبدو مخزيًا، كاسرًا تشامخ اليهود الذي يكرّرون القول أنهم نسل إبراهيم؛ جاء كطبيب يعالج ضعفنا لا كديّان!

سادسًا: ذكر معلّمنا متّى في النسب بعض النساء الأمميّات مثل راعوث الموآبيّة وراحاب الكنعانيّة، ليُعلن أنه جاء من أجل البشريّة كلها ليخصّ الأمم كما اليهود. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم في راعوث رمزًا لكنيسة الأمم التي تركت بيت أبيها والتصقت بكنيسة الله وقبلت العضويّة فيها، إذ يقول: "أنظر كمثال ماذا حدث لراعوث، كيف أنها تحمل شبهًا للأمور الخاصة بنا. لقد كانت غريبة الجنس، انحطت إلى الفقر المدقع، ومع هذا لما رآها بوعز لم يحتقر فقرها، ولا اشمأز من مولدها الدنيء هكذا إذ يتقبّل المسيح الكنيسة بكونها غريبة وفي فقر شديد، يأخذها كشريكة في البركات العظيمة، لكن يجب أن تكون كراعوث، فإن لم تترك أولًا أباها وترفض بيتها وجنسها ومدينتها وأقرباءها لن تحصل على هذا الزواج. هكذا إذ تترك الكنيسة أيضًا العادات التي تقبلها الناس عن آبائهم عندئذ - وليس قبل ذلك - تصير محبوبة لدى عريسها. في هذا يحدّثها النبي قائلًا: "اِنسي شعبك وبيت أبيك، لأن الملك اشتهى حسنك" (مز 45: 10-11). هذا ما فعلته راعوث فصارت أمّا للملوك كما يحدّث مع الكنيسة".

سابعًا: من بين أسلاف المسيح أشخاص لهم إخوة، ويلاحظ أن السيّد جاء بصفة عامة منحدرًا، لا من الأبناء البكر، بل ممن هم ليسوا أبكارًا حسب الجسد، مثل إبراهيم ويعقوب ويهوذا وداود ويوناثان. لقد جاء السيّد ليُعلن أن البكوريّة لا تقوم على الولادة الجسديّة، وإنما على استحقاق الروح. لقد جاء السيّد (آدم الثاني) بكر البشريّة كلها، فيه يصير المؤمنون أبكارًا، وتُحسب كنيسته كنيسة أبكار.

ثامنًا: ذكر معلّمنا متّى في نسب السيّد فارص دون زارح، لأن فارص يمثّل كنيسة الأمم التي صارت بكرًا باتّحادها بالسيّد المسيح البكر، بينما زارح يمثّل اليهود الذين فقدوا البكوريّة برفضهم الاتّحاد مع البكر. لقد أخرج زارح يده أولًا بكونه الابن البكر، لكنّه لم يولد أولًا، بل تقدّمه فارص، فاحتل مركزه، ونعِمَ بالبكوريّة. هكذا ظهر اليهود أولًا كبكر للبشريّة، لكنهم حُرموا من البكوريّة، وتمتّع بها الأمم عوضًا عنهم.

تاسعًا: ذكر سبي بابل ليؤكّد أنه بالرغم من تأديبات الشعب بالسبي زمانًا طويلًا لكنّه حافظ على أنسابه، ليتحقّق الوعد الإلهي بمجيء المخلّص. يُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذكر السبي دون الإشارة إلى التغرّب في مصر، قائلًا: "لأنهم لم يعودوا بعد يخافون المصريّين، وإنما كانوا لا يزالون يخافون البابليّين. الأول (النزول إلى مصر) أمر قديم، أمّا الثاني فكان لا يزال جديدًا، حدث مؤخّرًا. الأول لم يحدث بسبب خطايا ارتكبوها، أمّا الآخر فبسبب معاصيهم."

3. عدد الأجيال

يقسّم الإنجيلي الأجيال من إبراهيم إلى مجيء السيّد إلى ثلاث حقبات، كل حقبة تضم 14 جيلًا:

أ. من إبراهيم إلى داود، تنتهي الحقبة بالمجد الملوكي مُعلنًا في داود.

ب. من داود إلى سبي بابل، تنتهي بالعار في السبي.

ج. من السبي إلى السيّد المسيح، تنتهي بتحقيق الخلاص، ونزع العار حيث يملك المسيّا. في دراستنا لسفر الخروج (ص 33) لاحظ العلامة أوريجينوس أن عدد المحطات التي توقّف عندها الشعب قديمًا من رعمسيس إلى الجانب الشرقي لنهر الأردن 42 محطة، تمثّل الأجيال التي ذكرها متّى البشير (3 حقبات ×14 جيلًا = 42)، وكأن الرحلة تمثّل عبور البشريّة كلها في برّيّة هذا العالم، لتنطلق من أرض العبوديّة وأسر فرعون الحقيقي، أي إبليس، والدخول إلى أرض الموعد حيث ننعم بمجد أولاد الله. مجيء السيّد من امرأة يقدّم لكل مؤمن إمكانيّة هذا العبور ليدخل به بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي.

وقد لاحظ القديس أغسطينوس في هذا النسب أن يكنيا قد تكرّر مرّتين في نهاية الحقبة الثانية، وبدْء الحقبة الثالثة (11-12)، فقد عاصر يكنيا السبي البابلي بعد أن عُين ملكًا عوضًا عن أبيه. لم يذكر الكتاب المقدّس شيئًا عن خطاياه، وإنما ذكر خطايا الشعب والرؤساء. لقد نُزع عنه الملك، وأُقتيد إلى السبي من أجل خطايا الشعب. وكأن يكنيا يمثّل السيّد المسيح الذي يُحصى مرّتين، جاء لليهود ليخلّصهم، وإذ رفضوه عبر إلى الأمم (بابل) ليخلّصهم. إنه حجر الزاوية المرفوض (مز 118: 22) ربط حائط الأمم بحائط اليهود، ليُقيم كنيسة واحدة للجميع.

يرى G. G. Box أن الإنجيلي متّى قسّم الأجيال إلى ثلاثة مجموعات، كل مجموعة تقوم على أساس الرقم الفلكي لاسم داود الذي في مجموع حروفه بالعبريّة "14"، وكأن القدّيس أراد تأكيد نسب السيّد المسيح لداود الملك ثلاث مرّات، أو كأن السيّد هو الملك لكل الحقبات الزمنيّة.

4. مريم المخطوبة

"وأما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا:

لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا

وُجدت حبلى من الروح القدس" (18).

أكدّ الكتاب المقدّس أن الحبل به في أحشاء القدّيسة مريم تحقّق بالروح القدس، الذي هيّأها وقدّسها ليحل كلمة الله فيها، ابن الله الوحيد. إنه ليس من زرع بشر، إذ تحقّق الحبَل وهي مخطوبة للقدّيس يوسف. وكانت الخطبة ليوسف البار أمرًا ضروريًا، لأسباب كثيرة منها ما ذكره القديس جيروم:

أولًا: لكي يُنسب للقدّيس يوسف قريب القدّيسة مريم، فيظهر أنه المسيّا الموعود به من نسل داود من سبط يهوذا.

ثانيًا: لكي لا تُرجم القدّيسة مريم طبقًا للشريعة الموسويّة كزانية، فقد سلّمها الرب للقدّيس البار الذي عرف برّ خطيبته، وأكّد له الملاك سرّ حبلها بالمسيّا المخلّص.

ثالثًا: لكي تجد القدّيسة معها من يعزّيها، خاصة أثناء هروبها إلى أرض مصر.

أما لماذا وُلد السيّد من امرأة أو عذراء؟ فيجيب القديس أغسطينوس، قائلًا:

  • لو تجنّب الميلاد منها، لظننا كما لو كان الميلاد منها ينجِّسه، مادام جوهره لا يتدنّس فلا خوف من الميلاد من امرأة.
  • بمجيئه رجلًا دون ولادته من امرأة، يجعل النساء ييأسْنَ من أنفسهن متذكّرات الخطيّة الأولى... وكأنه يخاطب البشريّة، قائلًا: ينبغي أن تعلموا أنه ليس في خليقة الله شرًا، إنّما الشهوة المنحلّة هي التي أفسدت الخليقة. انظروا، لقد وُلدت رجلًا، ووُلدت من امرأة، فأنا لا احتقر خليقتي، بل ازدري بالخطيّة التي لم أجبلها... لنفس السبب نجد النساء هن أول من بشرن بالقيامة للرسل. ففي الفردوس أعلنت المرأة عن الموت لرجلها، وفي الكنيسة أعلنت النساء الخلاص للرجال.

القديس أغسطينوس

يُعلّق هلفيديوس في أواخر القرن الرابع على قول الإنجيلي: "قبل أن يجتمعا وُجدت حبلى"، بأن في هذا دليل ضمني على اجتماعهما بعد ولادة السيد، ناكرًا بتوليّة القدّيسة مريم، وقد سبق لي معالجة هذا الأمر في شيء من التوسّع، لذا أكتفي ببعض عبارات للقدّيس جيروم في الرد عليه: "لو أن إنسانًا قال: قبل الغذاء في الميناء أبحرت إلى أفريقيا"، فهل كلماته هذه لا تكون صحيحة إلا إذا أرغم على الغذاء بعد رحيله! وإن قلت أن "بولس الرسول قُيّد في روما قبل أن يذهب إلى أسبانيا"، أو قلت "أدرك الموت هلفيديوس قبل أن يتوب" فهل يلزم أن يحلّ بولس من الأسر ويمضي مباشرة إلى أسبانيا، أو هل ينبغي لهلفيديوس أن يتوب بعد موته؟ فعندما يقول الإنجيلي "قبل أن يجتمعا" يُشير إلى الوقت الذي سبق الزواج مظهرًا أن الأمور قد تحقّقت بسرعة حيث كانت هذه المخطوبة على وشك أن تصير زوجة... وقبل حدوث ذلك وُجدت حُبلى من الروح القدس... لكن لا يتبع هذا أن يجتمع بمريم بعد الولادة."

5. حلم يوسف

"فيوسف رجلها إذ كان بارًا ولم يشأ أن يشهرها،

أراد تخليتها سرًا" (19).

كانت علامات الحمل قد بدأت تظهر على القدّيسة مريم، الأمر الذي كان كافيًا لإثارة الغضب، بل وتعطيه الشريعة حق تقديمها للكهنة لمعاقبتها بالرجم، لكنّه إذ كان بارًا، وقد لمس في القدّيسة عفّتها وطهارتها ارتبك للغاية. في حنو ولطف لم يفتح الأمر مع أحد حتى مع القدّيسة نفسها، ولا فكّر في طردها وإنما أراد تخليتها سرًا أيضًا تطليقها. فنحن نعرف أن الخطبة في الطقس اليهودي تعطي ذات الحقوق والالتزامات الخاصة بالزواج فيما عدا العلاقة الزوجيّة الجسديّة. هذا هو السبب لدعوة الملاك إيّاها "امرأتك" (20)، الأمر الذي سبق لنا دراسته.

يُعلّق القديس يعقوب السروجي على هذا التصرّف النبيل من جانب القدّيس يوسف، قائلًا:

"نظر الشيخ إلى بطنها، تلك المخطوبة له، وتعجّب الصِدّيق!

رأى صبيّة خجولة عاقلة، فبقى داهشًا في عقله!

شكلها متواضع، وبطنها مملوءة، فتحيّر ماذا يصنع؟!

منظرها طاهر، ورؤيتها هادئة، والذي في بطنها يتحرّك!

طاهرة بجسدها، وحبلها ظاهر، فتعجّب من عفّتها والمجد الذي لها، وبسبب حبلها كان غاضبًا...

كان البار حزين القلب على حبل العذراء النقيّة، وأراد أن يسألها فاستحى... وفكّر أن يطلّقها سرًا."

ربّما يتساءل البعض، وهل من ضرورة لتخليتها سرًا؟ يجيب القديس جيروم بأن العلامات كانت واضحة، فإن لم يتخلَ عنها يُحسب مذنبًا حسب الشريعة، فإنه ليس فقط من يرتكب الخطيّة يتحمّل وزرها، وإنما من يشاهدها ولا يتخذ موقفًا منها.

"ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور،

إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم، قائلًا:

يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك،

لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس" (20).

إذ رأى الله ارتباك هذا البار مع سلوكه بحكمة ووقار أراد أن يطمئنه، فأظهر له ملاكًا في حلم يكشف له عن سرّ الحبل. إنه لم يقدّم له رؤيا في يقظته، "إذ كان متزايدًا جدًا في الإيمان وليس في حاجة إلى الرؤية"، كقول القديس يوحنا الذهبي الفم.

يُعلّق القديس جيروم على دعوة الملاك للقدّيسة مريم أنها امرأة يوسف، قائلًا: "نحن نعرف أنه من عادة الكتاب المقدّس أن يعطي هذا اللقب للمخطوبات. هذا ما يؤكّده المثل التالي من سفر التثنية: "إذ كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها، فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة ورجموهما حتى يموتا؛ الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه، فتنزع الشرّ من وسطك" (تث 22: 23-24) راجع (تث 20: 7)" كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "هنا يدعو الخطيبة زوجة، كما تعوّد الكتاب أن يدعو المخطوبين أزواجًا قبل الزواج. وماذا تعني "تأخذ"؟ أي تحفظها في بيتك، لأنه بالنيّة قد أخرجها. احفظ هذه التي أخرجتها، كما قد عُهد بها إليك من قبل الله، وليس من قبل والديها."

"فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع،

لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم.

وهذا كلّه كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل:

هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعون اسمه عمانوئيل

الذي تفسيره الله معنا" (21-23).

لقد أعطى الملاك ليوسف البار هذه الكرامة أن يمارس الأبوة مع أن السيّد المسيح ليس من زرعه، فأعطاه حق تسُمّيته، وإن كان الاسم ليس من عنديّاته بل بإعلان إلهي. إنه يسوع التي تعني في العبريّة "يهوه يخلّص"، وكما يقول الملاك " لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم". يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "شعبه ليس هم اليهود وحدهم، وإنما يشمل كل من يقتربون إليه، ويتقبّلون المعرفة الصادرة عنه."

أما كلمة عذراء ففي العبريّة "آلما Olmah"، هي تخص فتاة عذراء يمكن أن تكون مخطوبة لكن غير متزوجة، وجاءت مطابقة على القدّيسة مريم تمامًا".

"لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر،

ودعا اسمه يسوع" (25).

اعتمد هلفيديوس في إنكاره دوام بتوليّة القدّيسة مريم على هذه العبارة، قائلًا بأن كلمة "حتى" تعني أنه عرفها بعد الميلاد، وأن عبارة "ابنها البكر" تُشير إلى وجود أبناء آخرين ليسوا أبكارًا. يجيب القديس جيروم بأن كلمة "يعرفها" لا تعني حتمًا المعاشرة الزوجيّة، وإن كان يمكن أن تعني هذا، وكأن القدّيس يوسف لم يعرف القدّيسة مريم فيما نالته من نعم عظيمة حتى ولدت يسوع المسيح. أما كلمة "حتى" فلا تعني أن معرفته لها - بالجانب الجسدي - تحقّق بعد الولادة، وقد أعطى القديس جيروم أمثله لذلك. عندما يقول الرسول: "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1 كو 15: 25)؛ هل سيملك الرب حتى يصير أعداؤه تحت قدميه وعندئذ يتوقّف ملكه؟ أيضًا يقول المرتّل: "أعيننا إليك يا الله حتى يتراءف علينا" (مز 123: 2)، فهل يتطلّع النبي نحو الله حتى ينال الرأفة وعندئذ يحول عينيّه عنه إلى الأرض؟! يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "استخدم هنا كلمة "حتى" لا لكي تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك، إنّما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد لم يمسها رجل قط. ربّما يقال: لماذا استخدم كلمة "حتى"؟ لأنه اعتاد الكتاب أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى أزمنة محدّدة. فبالنسبة للفَلك قيل إن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض (تك 8: 7) مع أنه لم يرجع قط."

أما من جهة تعبير: البكر فلا يعني أن السيّد المسيح له إخوة أصغر منه من مريم وأنه هو بكرها. فإن كل فاتح رحم يُحسب بكرًا حتى ولو لم يكن بعده إخوة أصغر منه. يقول القديس جيروم في ردّه على هلفيديوس: "كل ابن وحيد هو بكر، ولكن ليس كل بكر هو ابن وحيد. فإن تعبير "بكر" لا يُشير إلى شخص له إخوة أصغر منه، وإنما يُشير إلى من يسبقه أخ أكبر منه يقول الرب لهرون: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدّمونه إلى الرب: من الناس والبهائم يكون لك. ولكن بكر الإنسان ينبغي لك أن تقبل فداءه. وبكر البهائم النجسة تقبل فداءه" (عد 18: 15). قول الرب هنا يّعرف البكر على كل فاتح رحم." لو كان يلزم أن يكون له اخوة أصاغر لكان ينبغي ألا يقدّم البكر من الحيوانات الطاهرة للكهنة إلا بعد ولادة أصاغر بعده، وما كانت تدفع فدية الإنسان والحيوان النجس إلا بعد التأكّد من إنجاب أخوة أصاغِر.

دراسة في سلسلة أنساب السيد المسيح

هناك سلسلتان لنسب المسيح إحداهما في (مت1:1-17) والأخرى في (لو23:3-38).

ونلاحظ فيهما الآتي:

1. أنكرت بعض الهرطقات حقيقة التأنس، مدعية أن المسيح قد ظهر كخيال أو وهم إذ يكرهون الجسد ويعادونه كعنصر ظلمة. فذكر الأنساب إنما هو تأكيد لحقيقة التجسد الإلهي. وقد أظهرت سلسلتا الأنساب في متى ولوقا أن المسيح اشترك في طبيعتنا حتى لا يقول أحد أنه ظهر كخيال أو وهم.

2. متى كان يكتب لليهود فأراد أن يثبت لهم أن يسوع المسيح هو المسيا الذي ينتظرونه، المسيا الملك المنتظر، لهذا يفتتح سلسلته بقوله المسيح ابن داود ابن إبراهيم. فمتى ترك كل الأسماء ليذكر داود وإبراهيم لأن الله وعدهما صراحة بالمسيح. إذ قال لإبراهيم "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك18:22). ولداود "من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك" (مز11:132+ 2صم12:7+ إش1:11+ أر5:23).

أهمية ذكر إبراهيم أنه بإبراهيم بدأت قصة الخلاص. فالله اختار إبراهيم ليأتي منه المسيح. وأهمية ذكر داود الملك أنه سيأتي منه المسيح ملك الملوك.

تأمل: المسيح سمح لنفسه أن يُدعى ابن داود وهو عبد للمسيح لنصير نحن العبيد أبناء لله. أما لوقا فكتب للأمم لذلك وصل في أنسابه لآدم ابن الله الذي منه تفرع العالم كله يهودًا وأمم، فالمسيح ضم البشرية كلها للبنوة لله.

3. سلسلة نازلة وسلسلة صاعدة: يلاحظ أن متى انحدر بالأنساب إلى يوسف مبتدئًا بإبراهيم. أما لوقا فصعد بها من يوسف إلى آدم. ويشرح أغسطينوس هذا بقوله: إن متى الذي ينحدر بالأنساب يشير إلى الرب يسوع المسيح الذي نزل ليحمل خطايانا، لذلك يقول أن فلان ولد فلانًا ليشير إلى تسلسل الخطية إلينا خلال الولادات البشرية. وقد جاء السيد المسيح الذي بلا خطية ليحمل خطايا الأجيال كلها. أما لوقا فقد صعد بالأنساب من المسيح إلى آدم، إذ تأتي الأنساب بعد المعمودية ليعلن عطية الرب خلال المعمودية، فهو يرفعنا ويردنا إلى حالتنا الأولى "آدم ابن الله" (لو3: 38). متى يتحدث في سلسلة نسبه قبل أحداث العماد ليعلن أن كلمة الله المتجسد هذا وإن كان بلا خطية وحده لكنه جاء من نسل خاطئ ليحمل عنا الخطايا التي ورثناها أبًا عن جد لهذا جاء الترتيب تنازليًا فهو يعلن المسيا حامل خطايانا، ولوقا الذي التزم بالترتيب التصاعدي يعلن تمتعنا بالبنوة لله في المسيح. لذلك لاحظنا أن لوقا لم يذكر سلسلة أنسابه في أول إنجيله بل بعد ذكر عماد الرب من يوحنا، لأن الرب أخذ خطايانا وحملها ليرفعها عنا ويكفر عنا بتقديس المعمودية ويوحدنا به وبذلك يرفعنا إلى البنوة لله.

4. نلاحظ اختلاف النسب في القائمتين ومرجعه أن متى وهو يعلن عن السيد المسيح كحامل لخطايانا يذكر النسب الطبيعي، حسب اللحم والدم، أي يذكر الأب الطبيعي حسب التناسل الجسدي الذي به ورثنا الخطية "بالإثم حبل بي وبالخطايا ولدتني أمي.." (مز51). أما لوقا إذ يعلن عن بنوتنا لله في المسيح يسوع يذكر النسب الشرعي، حيث يمكن لإنسان أن ينتسب لأب لم يولد منه جسديًا. وهذا يحدث بحسب الشريعة حين يموت إنسان بلا وَلَدْ فتتزوج امرأته من الولي الشرعي لها، ويكون الولد الأول منسوبًا للميت حسب الشريعة (راجع قصة راعوث). ولوقا يهتم بالتبني أو النسب الشرعي لأن الآب تبنانا بالمعمودية في ابنه فصرنا إخوة للمسيح وشركاء له في الميراث. وأيضًا من أمثلة التبني التي سنجدها في سلسلة نسب لوقا أن يتبنى الجد أحفاده كما في حالة يعقوب الذي نسب أولاد يوسف الاثنين له، أَفْرَايِمُ وَمَنَسَّى.

متى:- المسيح حامل خطايانا/ النسب الطبيعي/ بالتناسل الجسدي ورثنا الخطية

لوقا:- بنوتنا لله في المسيح / النسب الشرعي / الآب تبنانا بالمعمودية في ابنه

5. جاء النسب خاصًا بالقديس يوسف لا القديسة مريم، مع أن المسيح ليس من زرعه، ذلك أن الشريعة الموسوية تنسب الشخص للأب وليس للأم كسائر المجتمعات الأبوية التي تفعل نفس الشيء.

6. لم يذكر النسب أسماء نساء عظيمات يفتخر بهن اليهود كسارة ورفقة وراحيل إنما ذكر ثامار التي ارتدت ثياب زانية (تك38) وراحاب الكنعانية الزانية (يش1:2) وبثشبع التي يلقبها "التي لأوريا" لخطيتها مع داود ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت هي التي جاء المسيح لعلاجها، إنسانيتنا هذه التي مرضت جاء ليشفيها، وهذه التي سقطت جاء ليقيمها. هو جاء من خاطئات وولد منهن لأنه جاء لأجل الخطاة ليمحو خطايا الجميع.

7. ذكر معلمنا متى في النسب بعض النساء الأمميات مثل راعوث الموآبية وراحاب الكنعانية، ليعلن أنه جاء من أجل البشرية كلها ليخلص الأمم كما اليهود. وصارت راعوث رمزًا لكنيسة الأمم التي تركت بيت أبيها ووثنيته وعاداته الشريرة والتصقت بكنيسة الله وقبلت العضوية فيها، وقد نفذت قول المزمور" إنسي شعبك وبيت أبيك لأن الملك اشتهى حسنك" (مز11:45-12).

8. من بين أسلاف المسيح أشخاص لهم إخوة، ويلاحظ أن السيد جاء بصفة عامة منحدرًا لا من الأبناء البكر بل ممن هم ليسوا أبكارًا حسب الجسد مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب ويهوذا وداود.. لقد جاء السيد المسيح ليعلن أن البكورية لا تقوم على الولادة الجسدية وإنما على استحقاق الروح. لقد فقد آدم بكوريته بسبب الخطية، وجاء السيد المسيح آدم الأخير ليصير بكر البشرية كلها وفيه يصير المؤمنون أبكارًا (عب23:12).

9. ذكر معلمنا متى في نسب السيد المسيح فارص دون زارح. ولقد أخرج زارح يده أولًا بكونه الابن البكر لكنه لم يولد أولًا بل تقدمه فارص فإحتل مركزه. ونعم بالبكورية. هكذا ظهر اليهود أولًا كبكر للبشرية لكنهم حرموا من البكورية وتمتع بها الأمم عوضًا عنهم. ففارص صار يمثل كنيسة الأمم التي صارت بكرًا باتحادها بالمسيح البكر، وزارح صار يمثل اليهود الذين فقدوا البكورية برفضهم الاتحاد مع البكر، أو كما قيل بهوشع النبي "إثم أفرايم مصرور، خطيته مكنوزة. مخاض الوالدة يأتي عليه، هو ابن غير حكيم، إذ لم يقف في الوقت في مولد البنين" (هو13: 12، 13) وهذا يعني أنهم رفضوا الانضمام للكنيسة التي ولدت يوم الخمسين برفضهم للمسيح فإستمرت خطيتهم ملتصقة بهم.

10. ذكر متى سبي بابل ولم يذكر عبوديتهم في مصر فنزولهم لمصر لم يكن لهم ذنب فيه ولكن سبيهم إلى بابل كان سببه خطاياهم وكان عقوبة لهم.

11. متى يكرر كلمة ولد ليشير لتسلسل الخطايا إلى المولود. ولوقا يكرر كلمة "ابن" إشارة للبنوة، بنوتنا لله التي اكتسبناها بالتجسد.

12. فيما يلي خريطة لسلسلة متى وسلسلة لوقا نرى فيها الأسماء المشتركة والتي بينها خلاف.

سلسلة متى وسلسلة لوقا والأسماء المشتركة
سلسلة متى الأسماء المشتركة سلسة لوقا
الله
آدام
21 إسم
تارح
إبراهيم
14 إسم
داود
سليمان
14 إسم
يكنيا
ناثان
20 إسم
نيري
شألتئيل
2 إسم
زربابل
أبيهود
10 أسماء
يعقوب
يوسف
يوسف إبن حقيقي ليعقوب
ريسا
19 إسم
هالي
يوسف
يوسف إبن منتسب لهالي
يسوع المسيح
مجموعة متى 41 إسم مجموعة لوقا 77 إسم

13. هالي ويعقوب ويوسف

يوسف خطيب العذراء مريم هو ابن يعقوب بالجسد. وهالي هو أبو العذراء مريم أو جدها (حسب ما يذكر التلمود اليهودي وكتب اليهود). وحينما تزوج يوسف من العذراء نُسِبَ لهالي. وهالي إذا كان والد العذراء مريم وليس جدها فهو اسم ثانٍ لاسم يواقيم. ووالد العذراء مريم أنجب بنتًا ثانية هي سالومة زوجة زبدي وأم يوحنا الحبيب ويعقوب. ووالد العذراء مريم لم يكن له ابن لذلك دُعِىَ يوسف خطيب مريم ابنًا له. وقد حدث هذا (راجع نح63:7) فهقوص تسمى باسم حميه برزلاي الجلعادي. وراعوث أصبحت بنتًا لنعمى. فيمكن أن ينسب الرجل لحميه. والبنت لحماتها أو حميها.

وهناك رأي آخر يقول أن اليهود كانوا إذا تعذر عليهم معرفة الأب ينسبون الطفل لجده أبو أمه. ولذلك قال لوقا أنه على ما كان يظن ابن يوسف ابن هالي. ويوسف كان قريبًا للعذراء مريم وكلاهما من سبط يهوذا ومن نسل داود الملك. وكانت عادة عند اليهود أن يزوجوا ويتزوجوا من الأقارب.

وبهذا نرى أن سلسلة أنساب لوقا هي سلسلة أسلاف العذراء أم المسيح .

وسلسلة أنساب متى تضمنت نسب يوسف أبو المسيح بالتبني.

وهذه وتلك لم تشر للعذراء فاليهود ما كانوا يدخلون النساء في جداول نسبهم. وكانوا إذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب واعتبروه ابن والد قرينته.

ولاحظ أغسطينوس أن لوقا يقول يوسف ابن هالي ولم يقل هالي ولد يوسف كما قال متى يعقوب ولد يوسف. ورأي في هذا أن يوسف منسوب لهالي دون أن يكون بالضرورة أباه الحقيقي. فمتى يهتم بالبنوة الطبيعية ولوقا يهتم بالبنوة الشرعية أو التبني. ولاحظ أن متى الذي يهتم بأن يثبت أن المسيح ملك اليهود يسير وراء خط يعقوب الذي يصل للنسل الملكي عن طريق سليمان.

14. سليمان وناثان

ناثان هو الأخ الأكبر لسليمان (1أي5:3) وكلاهما أولاد بثشبع. ولكن لأن متى مهتم بالخط الطبيعي، نجده يتتبع خط الولادة الجسدية لشألتئيل من يكنيا (أنظر نقطة 15) ويكنيا من نسل سليمان جسديًا، أما لوقا فيتتبع النسل الشرعي لشألتئيل.

15. شألتئيل وزربابل

شألتئيل هو الابن الحقيقي ليكنيا. "يكنيا ولد شألتئيل" (مت12:1) وفي (لو27:3) نجد شألتئيل بن نيري. وهذه المشكلة لها نفس حل مشكلة يوسف ويعقوب وهالي. فشألتئيل غالبًا تزوج من ابنة نيري فنسب له، ونيري هذا من ذرية ناثان.

وزربابل هو والي اليهودية بعد العودة من سبي بابل. وزربابل هو الابن الحقيقي لشألتئيل حسب قول متى "وشألتئيل ولد زربابل" (12:1). ولكن في (1أي19:3) نجد زربابل ابنًا لفدايا وهذه المشكلة لها حل من اثنين:

1- حسب شريعة اليهود إذا مات رجل دون أن يكون له ولد تتزوج أرملته ولي المرأة أي أقرب رجل للمتوفي سواء أخيه أو أقرب شخص. والمولود الأول ينسب للمتوفي، وفي بعض الأحيان ينسب للولي لشهرته (كما حدث في قصة راعوث وبوعز). وهنا نفهم أن فدايا وشألتئيل أحدهما والد زربابل بحسب الجسد والآخر بحسب الشريعة.

2- هناك حل آخر أن شألتئيل والد فدايا وفدايا والد زربابل وينسب زربابل أحيانًا لفدايا وفي أحيان أخرى لشألتئيل.

16. الأسماء الأربعة المحذوفة من سلسلة متى

1- أخزيا (2مل29:8)

2- يوآش (2مل2:11-20:12)

3- أمصيا (2مل8:14-20)

4- يهوياقيم (2مل36:23-6:24)

والثلاثة الأول جاءوا بعد يهورام، بينه وبين عزيا، وهؤلاء ربما حذفوا من سلاسل النسب لأنهم من نسل إيزابل الشريرة وأخاب، وإيزابل هي بنت أثبعل ملك الصيدونيين (1مل31:16). وقد أبدَى الله السخط الزائد على هذه الأسرة، لذلك أسقطتهم سلاسل النسب اليهودية، ومتى نقل عن السلاسل كما وجدها، فهو التزم بسلاسل النسب التي بين أيدي اليهود.

أما يهوياقيم فهو ملك شرير مزق كتاب إرميا ولا يذكر اسمه في سلاسل النسب اليهودية إلا نادرًا (2أي8:36) والتلمود اليهودي يقر حذف أسماء الأشرار.

17. ثلاثة مجموعات في سلسلة نسب متى

قسم متى سلسلة نسب المسيح إلى ثلاث مجموعات كل منها 14 جيل وهي كالآتي:

المجموعة الأولى

المجموعة الثانية


المجموعة الثالثة

1- إبراهيم

2- اسحق

3- يعقوب

4- يهوذا

5- فارص

6- حصرون

7- أرام

8- عميناداب

9- نحشون

10- سلمون

11- بوعز

12- عوبيد

13- يسي

14- داود

سليمان

رحبعام

أبيا

أسا

يهوشافاط

يورام

عزيا

يوثام

أحاز

حزقيا

منسى

أمون

يوشيا

يكنيا <----

|

|

|

|

|

|

|

|

|

|

|

|

|

|



> (يكنيا)

شألتئيل

زربابل

أبيهود

ألياقيم

عازور

صادوق

أخيم

اليود

اليعازر

متان

يعقوب

يوسف

يسوع المسيح

هم ثلاثة مجموعات ورقم (3) يشير للكمال الإلهي:

المجموعة الأولي: تبدأ بإبراهيم الذي له الوعد بالأرض (تك15) وتنتهي نهاية سعيدة بتنفيذ هذا الوعد وقيام مملكة داود. وداود له وعد هو أيضًا بالعرش له ولأبنائه. هنا نرى قصد الله. فالله دعا إبراهيم ليرث الأرض ويملكها وهذا تحقق في داود تمامًا. كما خلق الله آدم ليرث ويملك ويسود بسلطان.

المجموعة الثانية: تبدأ بسليمان الذي أسس الهيكل ولكنه أدخل العبادة الوثنية، ومن ثم تسللت هذه العبادة لإسرائيل، ولذلك انتهت هذه المجموعة بالسبي وخراب أورشليم والهيكل وسبي يكنيا. وهذه المجموعة تظهر فشل الإنسان ممثلًا في سليمان، الذي أعطاه الله كل شيء. فسليمان أعطاه الله حكمة ومجد وغنى وسلام (سفر الجامعة + 1مل) وما حصل عليه سليمان لم يحصل عليه أحد قط. وهكذا آدم خلقه الله في جنة.. وماذا كانت النتيجة، فشل آدم...وهكذا فشل سليمان وخربت المملكة وسقطت بيد بابل (الذي يرمز للشيطان الذي استعبد الإنسان) (رو20:8) "الخليقة أسلمت للباطل.. من أجل الذي أخضعها على الرجاء" ولذلك نجد في نهاية المجموعة الثانية ملكًا في السبي. وهذا هو حال البشرية قبل المسيح.

المجموعة الثالثة: تبدأ بعد السبي بيكنيا أيضًا الذي انتهت به المجموعة الثانية وتنتهي هذه المجموعة بميلاد المخلص. فيكنيا الملك نرى فيه الرجاء مجسدًا، الذي أشار إليه بولس الرسول في (رو20:8). فبعد أن ذهب يكنيا إلى السبي نجد أن أويل مرودخ ملك بابل رفع رأس يهوياكين ملك يهوذا من السجن وكلمه بخير وجعل كرسيه فوق كراسي الملوك الذين معه في بابل. وغيَّر ثياب سجنه، وكان يأكل الخبز أمامه كل أيام حياته (2مل28:25-29). هذا هو الرجاء الذي تبدأ به المجموعة الثالثة، الرجاء للبشرية الخاضعة للعبودية. ولكن كيف يتحقق هذا الرجاء، هذا ما انتهت به المجموعة الثالثة أي ميلاد المخلص.

لذلك فالمجموعات الثلاث يشيروا لقصة معاملات الله مع الإنسان. في المجموعة الأولى نرى قصد الله وتحقيقه، وفي الثانية نرى فشل الإنسان وأنه سُلِّم للباطل على رجاء. وفي الثالثة نرى الرجاء يصبح حقيقة ويولد مخلص العالم.

18. كل مجموعة 14 جيل

قصد معلمنا متى واضح أنه يريد أن تكون كل مجموعة 14 جيل ولذلك:

أ- أسقط 4 ملوك من المجموعة الثانية.

ب- وضع يكنيا في آخر المجموعة الثانية وبداية المجموعة الثالثة.

ورقم 14 = 7×2 فإذا فهمنا أن 7 تشير للإنسان الكامل ورقم 2 يشير للتجسد ففي رقم 14 إشارة للمسيح الإنسان الكامل المتجسد. وبهذا التجسد ستعتق البشرية من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رو21:8). بعد أن كانت في خلاف مع الله وفي انقسام (رقم 2) فالمسيح جعل الاثنين واحدًا.

19. بدون تكرار يكنيا يصبح ترتيب المسيح في مجموعته رقم 13 وهو رقم يشير للخطية والعصيان، ولكنه صار يشير للكفارة. وكما يقول بولس الرسول "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو21:5)

20. تكرار اسم يكنيا

انتهت المجموعة الأولى بسبي يكنيا، وبدأت الثالثة برفع يكنيا، والفارق بين المجموعتين هو سبي بابل رمز لسقوط الإنسان تحت عبودية إبليس بسبب الخطية. ولكننا نرى يكنيا حين رُفِعَ، تم رفعه في بابل الوثنية وهذا يعني أن الخلاص سيتم هنا ونحن على الأرض. وكان تكرار اسم يكنيا فيه إشارة لسقوط الإنسان وسقوط دولة اليهود ثم قيام الكنيسة التي تضم الأمم واليهود ثانيًا. وتكرار اسم يكنيا مرتين لأنه يرمز إلى المسيح الذي انتقل من اليهود إلى الأمم. والمسيح هو حجر الزاوية (مز22:118) الذي يربط الحائطين معًا. وحجر الزاوية الذي رفضه البناءون هو إشارة للمسيح الذي رفضه اليهود. وحجر الزاوية لا بُد وأن يحصى مرتين مرة مع هذا الحائط. ومرة أخرى مع الحائط المربوط معه بحجر الزاوية.

21. أرقام سلسلة نسب لوقا

سلسلة أسماء لوقا تشمل 77 اسمًا وأحد طرفيها الله والآخر هو المسيح. فهو الأول والآخِرْ.

77= 7×11

رقم 7 يشير للإنسان الكامل من ناحيتين

أ- 7 = 3 + 4، 3 تشير للروح المخلوقة على صورة الله.

                 ، 4 يشير للجسد المأخوذ من تراب الأرض.
     ويشير للمسيح، الإنسان الكامل، الله (3 مثلث الأقانيم) أخذ جسدًا (4).

ب- 7 = 6 + 1، 6 تشير للإنسان الناقص.

                 ، 1 تشير لله فالإنسان لا يكمل إلا باتحاده مع الله.
    وبهذا أيضًا يشير للمسيح بلاهوته المتحد بناسوته.
   ورقم 11 يشير للخطية والتعدي على وصايا الله

وضرب الرقمين يمثل خطايا الخليقة كلها والتي حملها المسيح وغفرت بموته وشفاعته الكفارية وبالمعمودية والتوبة اللتان لهما قوتهما من دم المسيح الإنسان الكامل (7). ولذلك فمجموعة لوقا تصاعدية، متصاعدة إلى الله، وبالمعمودية يصطلح الله مع شعبه عندما تغسل خطاياهم "الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح" (2كو5: 18). لذلك فمجموعة لوقا أتت بعد قصة معمودية المسيح. ولاحظ أن رقم (7) موجود مع المجموعة التصاعدية. فعمل المسيح الفدائي يكمل الإنسان ليحمله لحضن الآب، لهذا فطرفي مجموعة لوقا هما المسيح رأس الكنيسة والآب الذي يحمل الابن كنيسته إلى حضنه.

22. سلسلة نسب القديس متى

متى ذكر 41 اسم مبتدئًا من إبراهيم حتى المسيح. وبإضافة 21 اسم ذكرهم لوقا ولم يذكرهم متى وهم ما قبل إبراهيم. وبإضافة الأربعة الأسماء الناقصة يصير عدد أسماء قائمة متى (41+21+4= 66 اسمًا.

66= 6×11...... 6 (رقم الإنسان غير الكامل)، 11 (رقم الخطية)

ومجموعة متى تنازلية، فنرى أن هذا الرقم هو سبب تنازل المسيح وتجسده ألا وهو نقص طبيعتنا وتمردنا وفشلنا. هذا ما جعل المسيح يصير خطية لأجلنا. ولقد لاحق رقم 6 المسيح فهو صلب في اليوم السادس والساعة السادسة، بل البشارة به كانت في الشهر السادس لأليصابات (لو26:1). ونلاحظ أن رقم 6 هو مع المجموعة التنازلية.

ونلاحظ أن أسماء متى وحدها كانت 41 شاملة اسم المسيح، وبدون المسيح يصير عدد الأسماء 40 ورقم 40 يشير لفترة أو مهلة تعطى لنا إما يعقبها غفران وبركة أو يعقبها رفض ولعنة. الغفران والبركة لمن يقدم توبة واللعنة لمن لا يجاهد ويتوب. ولذلك رأينا المهلة المعطاة لنينوى 40 يوم ولكنهم تابوا فغفر لهم الله، وبني إسرائيل تاهوا 40 سنة في البرية ثم دخلوا أرض الميعاد إذًا في هذا إشارة لفترة غربتنا على الأرض التي يعقبها إما خلاص أو هلاك . والمسيح وموسى وإيليا صاموا 40 يومًا. ولكن نلاحظ أن الرقم هو 41 وليس 40. فنحن مهما جاهدنا بدون المسيح فلا فائدة.

23. نبوة دانيال إصحاح 9 تلخص المجموعة الثالثة لمتى فكان دانيال مصليًا ومنتظرًا إتمام فترة السبي (الـ70 سنة) التي تنبأ عنها إرميا. وإذ به يسمع من الله أن هناك ما هو أهم بعد 70 أسبوع سنين أي 490 سنة، وذلك أن المسيح سيولد حتى يخلص العالم من سبيه لإبليس، وهذا أهم من نهاية سبي بابل.

24. ملاحظات على سلاسل الأنساب

أ- كان اليهود يحفظون جداول الأنساب ويهتمون بها جدًا وبغاية الاعتناء والتدقيق، فهم أولًا ينتظرون المسيح الذي قد يأتي من أي منهم، ولكنهم كانوا يعلمون أنه من نسل داود. وثانيًا فهم يستوطنون في أراضي إسرائيل بحسب أسباطهم. وقد حفظت التوراة نفسها هذه السلاسل حتى الأسر البابلي ومنها نستدل على نسب المسيح. أما اليهود فاستمروا بعد السبي مهتمين بهذه الأنساب، وهذا ما يسجله يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي يقول [حافظ اليهود على سلاسل الأنساب الخاصة بهم وبعائلاتهم حتى بعد أن تشتتوا]. وهذه السلاسل لها استخدام أيضًا في المواريث. ولكن هذه الأنساب فقدت بعد خراب أورشليم سنة 70 م.

ب- بالرغم من وجود خلافات ظاهرية بين سلسلتي نسب متى ولوقا فإن اليهود أنفسهم لم يشككوا فيهم، في القرن الأول، ولو كان هناك أي شبهة شك لهاجمها اليهود. ولكنهم لم يفعلوا فهم يعلمون صحتها.

25. يثير البعض مشكلة حول قول متى "ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل" ويقولون أن يوشيا كان قبل سبي بابل، وأنه مات قبل سبي بابل الرابع وخراب أورشليم بحوالي 20 سنة. والرد على هذا بسيط؛ فيوشيا بموته بدأت مملكة يهوذا في الانهيار السريع دينيًا وسياسيًا. فحرب يوشيا ضد نخو ملك مصر ثم موت يوشيا أتى بالنفوذ المصري على يهوذا، وانتهى هذا بالسبي الأول لبابل بعد موت يوشيا بثلاث سنوات. وكانت هذه الفترة فترة سوداء في تاريخ المملكة. ومتى يقصد أن نهاية مملكة يهوذا قد بدأت بموت يوشيا.

26. يثير البعض أيضًا مشكلة حول أبيهود ابن زربابل ففي (1أي19:3) نجد أن لزربابل خمسة أبناء ليس بينهم اسم أبيهود. وحل هذا الإشكال سهل فمن المعروف أن اليهود كانوا يستعملون اسمين مثل عيسو/ أدوم= يعقوب/ إسرائيل- بطرس/ سمعان- برثولماوس/ نثنائيل- بولس/ شاول. ورواية متى منقولة من السجلات ولم يعترض اليهود عليها.

27. سلسة متى وسلسلة لوقا مختلفتين لكن كلاهما أشار لأن المسيح هو ابن إبراهيم وابن داود وهذا هو المطلوب.

آية (18): "أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ."

لما كان من المستحيل أن نصعد نحن إلى الله، نزل هو إلينا ليرفعنا إلى علوه. ولما كان ليخلصنا يجب أن يموت أخذ جسدًا قابلًا للموت ليموت به عنا.

والمسيح ولد من عذراء بواسطة الروح القدس الذي هيأ أحشاءها وقدسها ليحل الكلمة فيها، فهو ليس من زرع بشر. وأهمية خطبة العذراء ليوسف:

1- يوسف من نسل داود فحين ينسب له المسيح يكون ابن داود (والعذراء أيضًا نسل داود).

2- حتى لا تُرجم العذراء كزانية إذ توجد حبلى دون زواج طبقًا للشريعة.

3- لكي تجد العذراء من يعينها خاصة أثناء رحلة هروبها إلى مصر.

ملحوظات: المسيح وُلِدَ رجلًا ووُلِدَ من امرأة فهو لا يحتقر جنس البشر بل يكره الخطية.

"وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: «سلام لك أيتها المنعم عليها! الرب معك. مباركة أنت في النساء». فلما رأته اضطربت من كلامه، وفكرت: «ما عسى أن تكون هذه التحية!» فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله" (لوقا 1: 26-30) - مجموعة "ميلاد يسوع" (متى 1: 18-24, لوقا 1: 26-56, لوقا 2: 1-7)

الخطبة عند اليهود:- تشبه (كتب الكتاب عند الإخوة المُسلمين). لذلك يقول الكتاب عن يوسف أنه رجلها وعن العذراء أنها امرأته (آيات 19-20). وهي ليست كالخطبة عند المسيحيين أو المُسلمين، بل هي بمثابة زواج، ويجب أن تمر فترة زمنية حتى يسكنا معًا ويعرفا بعضهما. وهذا هو الوضع الذي حملت فيه العذراء بالمسيح. فإن حملت المخطوبة عند اليهود لا يعتبر هذا زنا بل مخالفة اجتماعية بسيطة. ولأن المخطوبة عند اليهود تعامل كالمتزوجة فعقوبة زنا المخطوبة مع غير خطيبها هو الرجم (تث23:22-24).

تأملات: [1] المسيح ولد من عذراء، فهو لا يوجد في أحشاء إلا أحشاء عذراوية لا تعرف خطية وترفض أن تقترن بشهوات هذا العالم. لذلك تشبه الكنيسة كلها بعشر عذارى، فالمسيحي هو *عضو في جسد المسيح - *وله حياة المسيح - *والمسيح يحل بالإيمان في قلوبنا (أف17:3). فلكي أكون مسيحي حقيقي والمسيح يسكن فيَّ يجب أن تكون لي النفس العذراوية التي تتحرر من شهوات هذا العالم. وهذه هي حالة العذارى الحكيمات. [2] عجيب هو صمت العذراء التي كتمت سرها حتى عن رجلها يوسف، فهذا درس لنا في البعد عن المجد الباطل وفي إنكار الذات. بل في تأمل عن العليقة والنار داخلها وهي لا تحترق، نفهم هذا عن العذراء التي لم تنتفخ بالعطية التي نالتها، فالكبرياء تحرق صاحبها . [3] عجيب أيضًا تسليمها الأمر لله ليدافع عنها في موضوع حملها دون أن تدافع عن نفسها.

قبل أن يجتمعا وجدت حبلى (حيث أن المسيح لم يكن من زرع بشر فهو لم يحمل الخطية الأصلية (مز5:51+ رو12:5) وبهذا يمكن أن يموت لا عن نفسه بل عن البشرية فهو بلا خطية وغير وارث للخطية الأصلية)= بدأت من القرن الرابع إساءة فهم هذه الآية وقيل أن تفسيرها هو أن يوسف اجتمع مع العذراء بعد الولادة، والهدف إنكار دوام بتولية السيدة العذراء. والرد بسيط كما قال القديس جيروم "لو قال إنسان أنني قبل الغذاء أبحرت إلى إفريقيا فهل لا بُد أن يرجع لشواطئ أوروبا للغذاء. والمقصود من الآية ببساطة أن العذراء وجدت حبلى بدون زرع بشر.

آية (19): "فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا."

ظهرت علامات الحمل على العذراء فكان أمام يوسف أحد اختيارين:

1) أن يحاكمها أمام الشيوخ فترجم حسب الشريعة.

2) يطلقها أمام شهود بدون علة حتى لا يشهرها (تث1:24) وهذا ما انتواه يوسف. وهو كان يجب عليه أن يتخذ أي قرار من الاثنين، فالساكت على الخطية كأنه قد اشترك فيها. وهو فضل استخدام الرحمة عن العدل.

آية (20): "وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ."

لم يكن من الممكن أن يصدق إنسان قصة الميلاد العذراوي إن لم يكن بظهور ملائكي مثل هذا. وهنا نرى درس في التسليم من العذراء فهي ألقت رجاءها على الله فأظهر برها كالشمس. متفكر= فلنتروى قبل أن نحكم على أحد. يا يوسف ابن داود= هذا تذكير بأن داود هو أبو المسيح بالجسد، أو أن المولود هو المسيا ابن داود المنتظر. أن تأخذ= أي تحفظها في بيتك فهو كان ناويًا أن يخرجها.

آية (21): "فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ»."

يسوع= هذا هو النطق اليوناني لاسم يشوع أو يهوشع أي الرب يخلص. يخلص شعبه (شعبه= أي كل من يقبله سواء يهود أو أمم) من خطاياهم= هو يستطيع أن يخلص القلب من محبة الخطية وسلطان الخطية وقوتها، وهو يخلصنا من عقوبة الخطية ويصالحنا مع الله الآب، وأن عشنا في حضرة الله الآب تهرب الخطية. واليهود فهموا الخلاص بطريقة خطأ، فهم فهموا أن الخلاص يكون من الرومان أو من أي مصائب وقتية، ومازال البعض حتى الآن يفهمونها هكذا. وكان هذا هو الفهم الخاطئ لتلميذيّ عمواس (لو21:24).

آية (22): "وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ:"

لكي يتم ما قيل= أي أن المسيح جاء وتجسد في ملء الزمان، ولكن كان هذا في خطة الله الأزلية وسبق وكشفه على لسان النبي.

آية (23): "«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا."

نص آية: "فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (متى 1: 21)

هذه أول نبوة من سلسلة نبوات أتى بها متى البشير ليثبت أن في المسيح تتحقق النبوات وأنه هو المسيا المنتظر. عمانوئيل= من الاسمين معًا عمانوئيل ويسوع نفهم أن المسيح هو الرب متجسدًا.

آية (24): "فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ."

آية (25): "وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ."

لم يعرفها حتى= مَنْ يريد إنكار دوام بتولية العذراء يستخدم هذه الآية ويقول أن حتى تشير أنه عرفها بعد أن ولدت المسيح. والرد على هذا بسيط:

1) (1كو25:15) "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" فهل بعد أن يضع أعداؤه تحت قدميه سيتوقف ملكه.

2) (2صم23:6) "ولم يكن لميكال ولد إلى يوم موتها" فهل ولدت بعد موتها.

3) (مز2:123) "عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يتراءف علينا" فهل تطلع النبي إلى الله حتى ينال الرأفة وعندئذ يحول عينيه عنه إلى الأرض.

مما سبق نفهم أن قوله حتى لا يفيد تغير الوضع بعدها.

ولكن المقصود من الآية أن المسيح لم يولد من علاقة جسدية للعذراء مريم مع يوسف النجار، بل كان مولودًا من الروح القدس والعذراء مريم بدون زرع بشر.

ابْنَهَا الْبِكْرَ = يفهمون من هذا أيضًا أن العذراء أنجبت إخوة للمسيح من بطنها. والرد على ذلك بسيط. فالبكر هو كل فاتح رحم (عدد15:18). حتى لو لم يكن له إخوة والدليل أنه كان على شعب الله أن يقدم كل بكر لله دون أن ينتظر ولادة إخوة له.

والعذراء استمرت بكرًا كما تنبأ بهذا حزقيال النبي "ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ ٱلْمَقْدِسِ ٱلْخَارِجِيِّ ٱلْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ، وَهُوَ مُغْلَقٌ. فَقَالَ لِيَ ٱلرَّبُّ: «هَذَا ٱلْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لَا يُفْتَحُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا" (حز44: 1 ، 2). وراجع تفسير النبوة في مكانها. والمعنى المشار إليه: أن الباب الذي يظل مغلقًا هو إشارة لدوام بتولية العذراء مريم.

كلمة بكر في الإنجليزية firstborn son أي أول مولود من بطن أمه بغض النظر هل ستلد بعده أم لا.

ويستند هؤلاء أيضًا على قول الكتاب أنه كان للمسيح إخوة (مت12: 46 ، مر3: 31 ، لو8: 19 ، يو7: 3). وللرد على هؤلاء نقول:-

إخوته = كان اليهود يُطلقون على الأقرباء إخوة وأمثلة على ذلك:-

• إبرام يقول للوط نحن أخوان، بينما أن لوط هو ابن هاران أخو إبراهيم (تك13: 7 + تك12: 5 + تك11: 27).

• وَقَالَ: "مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي لَمْ يَمْنَعْ لُطْفَهُ وَحَقَّهُ عَنْ سَيِّدِي. إِذْ كُنْتُ أَنَا فِي ٱلطَّرِيقِ، هَدَانِي ٱلرَّبُّ إِلَى بَيْتِ إِخْوَةِ سَيِّدِي" (تك24: 27) هذا ما قاله خادم إبراهيم للابان وعائلة رفقة.

• وهذا نفس ما قيل من يعقوب لراحيل "وَأَخْبَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ أَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا، وَأَنَّهُ ٱبْنُ رِفْقَةَ" (تك29: 11). مع أن لابان هو خال يعقوب، لأن يعقوب هو ابن رفقة أخت لابان.

• قيل عن تلاميذ السيد المسيح أنهم إخوة "ذَاعَ هَذَا ٱلْقَوْلُ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ ٱلتِّلْمِيذَ لَا يَمُوتُ" (يو21: 23).

• بل قال السيد المسيح الذي له كل المجد عن المحتاجين أنهم إخوته "فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ وَيَقُولُ لَهُمُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلَاءِ ٱلْأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت25: 40).

• وهل يمكن أن يكون للعذراء مريم أولاد، إخوة للمسيح وعند موته على الصليب يسلمها ليوحنا تلميذه، ألم يكن إبنائها اللذين من بطنها أولى برعايتها.

• وبهذا المفهوم يصبح إخوة المسيح إما أبناء إخوة يوسف أو أبناء ليوسف من زواج سابق. ويوسف كان كبيراٍ في السن، وبالتالي كان أولاده كبارا في السن أيضًا.

• والمسيح صار بكرًا بين إخوة كثيرين (رو29:8). فهو ابن الله بالطبيعة وبإتحادنا به نصير أولادًا لله ونصلى لله ونقول "أبانا الذي في السموات".

ملحوظة: راجع (1كو7: 1 ، 2 ، 8: 31-34) تجد أن القديس بولس الرسول يفضل أن يستمر الإنسان العادي بلا زواج حتى يستمر قلبه مخصصا ومكرسًا لله دون أن ينشغل بأمور هذا العالم. فعند بولس الرسول البتولية هي الدرجة الأعلى من الزواج. أفتقبل يا أخي الحبيب أن من حملت في بطنها ابن الله المتحد لاهوته بناسوته الذي أخذه منها، أن تعود العذراء وتتزوج لتنجب إنسانا بعد أن أنجبت ابن الله. أتقبل أن تكون العذراء أم المسيح في درجة أقل ممن كرسوا حياتهم لخدمة المسيح. أتقبل أن تكون العذراء قد إنشغلت بتربية أبناء آخرين وإهتمت بأمور هذا العالم، وبهذا تكون في درجة أقل من ملايين الرهبان والراهبات الذين تركوا العالم حبًا في المسيح، بينما هي أم المسيح تنشغل بالعالم.

(1) نسب المسيح (ع 1-17):

ع1: "كتاب ميلاد" أي جدول نسب، وهو مأخوذ من جداول الأنساب التي كان يهتم اليهود بحفظها انتظارا للمسيا الآتي، وقد فُقدت هذه الجداول عند خراب أورشليم عام 70 م بيد تيطس قائد الرومان. وقد دبر الله اهتمامهم بهذه الجداول ليكون هذا إثباتا أن المسيح هو ابن داود، فيؤمنوا به.

يوجد في الكتاب المقدس جدولان بأنساب المسيح، أحدهما في لوقا (لو 3: 23-38) الذي يكلم الأمم، فيكتب النسب الشرعى، أي الذكور الذين تعتبرهم الشريعة آباءً، فلو مات واحد ولم ينجب، يتزوج أخوه بامرأته، ويُنسَب النسل للذى مات (تث 25: 5-6). فبعض الأبناء المذكورين هم أبناء بالتبنى، ليعلن للأمم أنهم أبناء بالتبنى ولهم الخلاص مثل اليهود.

أما متى (مت 1: 2-17) فلأنه يكلم اليهود، يكتب الآباء الطبيعيين لأنهم شعب الله المتسلسلين من آبائهم الطبيعيين، أي اليهود.

فنرى يوسف خطيب مريم له أب شرعى هو هالى المذكور في لوقا، الذي مات ولم ينجب. أما يعقوب المذكور في متى فهو أبوه الطبيعي كما يقول القديس ساويرس الأنطاكى. أما يوحنا (يو 1: 1-2) فكتب نسبه الإلهي.

"يسوع المسيح" يسوع هو الاسم الإنساني للمسيح، ومعناه مخلّص.

أما المسيح فمعناه الممسوح من الله لهذه الخدمة، أي فداء البشرية. وفي العهد القديم كان يُمسح النبي والكاهن والملك، وهذه الثلاثة اجتمعت في المسيح؛ والممسوح له سلطان من الله ليقوم بعمله.

"ابن داود ابن إبراهيم" وهو داود الملك كما ذكرت النبوات (إش 9: 7)، وابن إبراهيم كما وعده الله (تك 22: 18).

وكان هذا الأمر معروفا عند جميع اليهود أن المسيا المنتظر سيأتي من نسل داود وإبراهيم.

ع2-17:

أ) يلاحظ في هذه السلسلة تنازل الأنساب من إبراهيم إلى يسوع، إذ يحمل المسيح خطايا البشرية ويفدينا ويخلّصنا، لأن هذه السلسلة تحمل خطاة كثيرين مثل راحاب الزانية، وثامار التي ارتدت ثوب زانية، وامرأة أوريا التي زنا معها داود. في حين يرتفع القديس لوقا في سلسلة أنسابه من يسوع إلى آدم، فهو يرفع البشرية كلها إلى الله، أبو آدم، لأن لوقا يخاطب الأمم.

ب) يتكلم متى في سلسلة الأنساب عن الآباء الطبيعيين ليسوع، الذين أُنجِبوا بالتوالد الجسدي، أما لوقا فيذكر الآباء الشرعيين.

حـ) تنتهي سلسلة الأنساب إلى يوسف وليس العذراء، مع أن يوسف لم يلد المسيح جسديا. ولكن اليهود لا بعترفون في الأنساب إلا بالرجال، فحماية للمسيح أمام المجتمع اليهودي، اعتُبر يوسف أبوه كما أعلمه الملاك (ع20-21).

وفي نفس الوقت، فإن العذراء أيضًا هي من نسل داود، إذ عندما أرادوا أن يخرجوها من الهيكل لبلوغها سن الثانية عشر، أحضروا رجالًا من نسل داود، فاختار الله يوسف ليكون خطيبا لها.

وهناك رأى آخر، وهو أن لوقا ذكر نسب المسيح من جهة مريم أمه، فيذكر هالي الذي هو والد مريم، ويُسَمَّى أيضًا يواقيم، فينسب يوسف إليه، وهذا كان معروفا عند اليهود أنه يمكن أن يُنسَب الرجل إلى حماه.

وعلى أي الأحوال، فإن جدولَىْ نسب المسيح في إنجيلى متى ولوقا كانا من الجداول المعتمدة عند اليهود، بدليل عدم اعتراضهم عليها.

د) من جدات المسيح كانت راحاب الكنعانية، وراعوث الموآبية، ليعلن المسيح أنه أتى لخلاص العالم كله، يهودا وأمما.

هـ) يذكر متى الإنجيلى أن سلسلة الأنساب مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، كل جزء منها 14 جيلا. ويبدو أن اليهود كانوا يميلون إلى استخدام أرقام معينة للبركة، مثل رقم 7، فرقم 14 هو ضعف رقم 7.

ويبدو أن هذه السلسلة كانت مكتوبة ومعروفة عند اليهود، فرغم أن بها اختصارات حذفتها هذه السلاسل، مثل يورام الملك الذي لم يلد عُزِّيَّا بل أنجب أَخَزْيَا الذي أنجب يوآش، ويوآش أنجب أَمَصْيَا، وأمصيا أنجب عزيا.

فاختصر متى هذه الأسماء ليصل إلى هدفه، وهو أن المسيا من نسل داود وإبراهيم. وإن كانت السلسلة الأولى قد بدأت بإبراهيم، ووصلت إلى داود العظيم، فالسلسلة الثانية تنحدر من الذين في السبي بسبب خطايا الشعب، ثم ترتفع السلسلة الثالثة لتصل إلى يسوع مخلّص العالم كله.

و) سلسلة متى تختلف عن سلسلة لوقا، وهذا يؤكد أن كلا منهما لم يطّلع على كتاب الآخر، بل كتبه بوحى من الروح القدس بصدق، ليعرفنا بتفاصيل أكثر عن المسيح.

† إن كان المسيح لم يستح أن يذكر جدوده الأشرار والأمميين، فعلينا أن نكرم آباءنا وأقاربنا، حتى لو كانت مكانتهم الاجتماعية قليلة، ونقدر أتعابهم وفضائلهم. كما لا ننسى أن نسبنا الأهم هو للمسيح والكنيسة التي وُلدنا فيها بالمعمودية، فنثق في أنفسنا وتميُّزنا عمن حولنا بهذه النعمة العظيمة، ولا نحتقر أحدا له نسب وضيع، فقد يكون أفضل منا في نظر الله وسيكون له مكانة أكبر في السماء. لنحترم ونكرم كل إنسان ونبحث عن فضائله لنستفد منها.

(2) حلم يوسف الأول وولادة المسيح (ع 18-25): ع18: "مخطوبة" أي مرتبطة برجل، حتى أنها عندما تنجب يسوع يكون منسوبا لرجل، وهو يوسف، أمام المجتمع اليهودي ولا تُعَدُّ زانية.

كانت الخطوبة عند اليهود تعني عقد زواج، وتُسمى الخطيبة امرأة الخطيب، ولكن بعد فترة الخطوبة تتم المعاشرة الجسدبة، كما يحدث الآن عند الإخوة المسلمين في كتب الكتاب ثم الدخلة. فبعد إتمام الخِطبة، عند استلام يوسف لمريم من الهيكل، أخذها إلى بيته وحفظها كخطيبة في طهارة ولم يقترب إليها. ولكنه فوجئ بها حُبلَى قبل أن يتم الزواج، فانزعج، واحتار بين براءتها والحبَل الذي يراه بعينيه. وقول متى: "قبل أن يجتمعا"، أي أثناء الخطوبة، لا يعني مطلقا أنهما اجتمعا بعد ذلك، فالعذراء دائمة البتولية.

ع19: كان أمام يوسف أن يسلم مريم للكهنة فيرجمونها، أو يطلقها ويخرجها من بيته سرا دون فضائح. ولأنه بار، أراد أن يستر عليها، ويتركها تمضى دون عقاب حتى لا يكون مشاركا في جريمة التستر على خطية.

على قدر ما تكون محبا لله، تظهر محبتك لمن حولك حتى لو كانوا مخطئين في نظرك، فلا تدينهم بل تستّر عليهم، لأن "المحبة تستر كل الذنوب" (أم 10: 12). وكما يستر الله عليك، كن أنت أيضًا رحيما مع الآخرين.

ع20-21: "يا يوسف ابن داود" ليذكّره الملاك بنسبه إلى داود الذي سيأتي منه المسيح.

لأن يوسف رجل بار يفهم بسرعة إعلانات الله، ظهر له ملاك في حلم، وأعلمه حقيقة حبل العذراء بأنه من الروح القدس وليس من إنسان، وشجعه على أن يأخذها، أي يبقيها في منزله، ويرعاها هي ومولودها، بل وأعلمه اسم المولود، وهو يسوع ومعناه مخلّص، لأنه يخلّص المؤمنين به من خطاياهم.

"يخلّص شعبه من خطاياهم": فهو مخلّص، ليس من الاحتلال الروماني كما ظن اليهود، بل مخلّص روحي يرفعهم من خطاياهم ليحيوا في البر.

† إن كنت محتارا بين أمرين صعبين، فالله قادر أن يرشدك إلى الحل الأفضل، كما أرشد الملاك يوسف، إذا صليت له.

ع22-23: يذكّرنا متى بنبوة إشعياء (إش 7: 14)، فهذا كلام متى وليس الملاك، فيحدثنا عن حبل العذراء التي هى مريم، ويفسر لنا معنى "عِمَّانُوئِيلَ" أي أن الله يتجسد ويصير بشرا بيننا، ويفدينا ويكون معنا ويسكن فينا.

† إن كان الله يعلن اسمه عمانوئيل، أي الله معنا، فهو في حبه يريد أن يقترب إلينا، ويكون معنا ليخلّصنا من كل خطايانا ومتاعبنا.

ع24: يظهر بر يوسف في طاعته لله، إذ رفض فكرته الأولى، وهي أن يخرجها من بيته، بل وأعلن مسئوليته عنها، وآمن بكلام الله رغم أنه فوق الإدراك العقلى.

ع25: اهتم يوسف برعاية العذراء حتى ولدت الطفل، وأسماه يسوع كما أعلنه الملاك، وظل يهتم بها طوال حياته.

وعندما يذكر متى أنه "لم يعرفها حتى ولدت"، فليس معنى هذا أنه عرفها بعد ذلك، ولكن تعني أنه لم يقترب إليها جسديا، بل رعاها كأب. وكلمة "حتى" تأتي بهذا المعنى في أماكن كثيرة من الكتاب المقدس، فكما يقول المزمور: "عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يترأَّف علينا" (مز 123: 2)، ليس معناه أنه بعدما يترأَّف علينا لا نرفع أعيننا نحوه.

كذلك عندما أرسل نوح الغراب من الفُلك، يقول الكتاب المقدس: "فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض" (تك 8: 7)، فليس معنى كلمة "حتى" أنه بعدما نشفت الأرض عاد الغراب إلى الفُلك، بل استمر في الأرض.

ونُعت يسوع بـ "البكر" ، ليس لأن العذراء ولدت بعده أبناء آخرين، ولكن أول مولود ينعت بالبكر حتى لو لم يولد أحد بعده.

وبالاستنتاج المنطقي، إنه لا يمكن ليوسف البار الذي اختاره الله لهذه المهمة المقدسة، أن يدنس الرحم الذي قدّسه الروح القدس.

انظر أيضاً

معرض الصور

وصلات خارجية

مراجع

تفسير إنجيل متى (كتاب - تادرس يعقوب ملطي القمص)